dimanche 18 octobre 2015

مسرحية : أنيــــن الضميــــــــــــــــر







شخصيات المسرحية:
الملكة:الحاكمة في مملكة الأخلاق والقيم
الإنسان:الموالي لمملكة الأخلاق والقيم
الضمير:القاضي في مصلحة الإنسان
الحكيم:مستشار ملكة مملكة الأخلاق والقيم
الحراس:حراس ملكة مملكة الأخلاق والقيم
الملكة الجديدة:حاكمة مملكة الحرية والمصلحة الفردية
الناس:الموالون للمملكة الجديدة
القاضي:قاضي الحرية والمصلحة الفردية في المملكة الجديدة
مشعوذ الملكة الجديدة:مستشار مملكة الحرية والمصلحة الفردية
الحراس:حراس الملكة الجديدة


الفصل الأول: حكم مملكة الأخلاق والقيم
المشهد الأول: في مجلس ملكة مملكة الأخلاق والقيم
الملكة تسأل الإنسان ،في محاولة لدراسة جدوى عملها،وتقييم إنجازاتها في صقل روح الإنسان،وتهذيب
سلوكه.
الملكة:نحن مملكة ضاربة بجذورها في التاريخ...باسطة نفوذها على سائر الكون والكيان...حكمنا
الإنسان وحددنا له دربه ،وهذبنا سلوكه...فكيف حالك اليوم أيها الإنسان؟
الإنسان:أنا يا ملكة مملكة الأخلاق والقيم ،ما زلت على العهد أكن لك الولاء والاحترام.
الملكة:نحن يا إنسان مملكة تزخر بالحق والعدل...والحب والإحسان...فكيف كانت حياتك معنا.
الإنسان:حياتي كلها نعيم،ومملكتك تجود علي بالسعادة والهناء،وأنا في رحاب مملكتك معزز مكرم.
الملكة:نحن مملكة حددت سلوكك...حددنا علاقتك مع سائر الكائنات...صقلنا إنسانيتك...فكيف كانت
نفسك.
الإنسان:نفسي يا ملكة ...طاهرة زكية...يفوح منها عبق الفطرة الإلهية.
الملكة:وكيف كانت الحياة بينكم أنتم البشر؟.
الإنسان:كانت مروجا من العطف والحنان...الطفل اليتيم يقطف من جنانها المودة والوئام...والشيخ الكبير
يلقى التحية والاحترام...كل شيء يسير على الفطرة والكل سعيد وراض.
الملكة:اسمع يا إنسان ...أنت جوهرتي الغالية...وأنا ملاكك الحارس،وعلى مر السنين سعيت جاهدة كي
لا تخدش الشرور نفسك الزكية،فتزرع فيها بذور الحقد والغل،فتصاب بفيروسها،وتذهب عنها طيبتها
وتزول عنك إنسانيتك.
وكل ما كنت أخشاه هجمات الشر على عقلك،فتنشر الفتنة بينك وبيني،وتصور ولاءك لي على أنه
عبودية ورق دائم.
الإنسان:أنا دائم الولاء لكم يا مولاتي.
الملكة:لقد استشرت الحكيم في أمر مهم،وقد أرشدني إلى فكرة تبقيك يقظا حذرا،اشرح له أيها الحكيم
فكرتك العظيمة.
الحكيم:لقد استنجدت بالضمير،ليكون العين التي لا تنام...سيحرسك ويمنعك من الانسياق وراء أهواءك
وإتباع وساوس الشيطان،فتسوقك إلى الجحيم ،وتفسد عليك النعيم الذي تعيشه في كنف مملكة الأخلاق
والقيم.
الملكة:ما قولك أيها الإنسان؟
الإنسان: أنا عند أمرك يا مولاتي ،سأحضن الضمير في صدري... ليكون منير دربي.
المشهد الثاني: قدوم الضيف
الملكة: هلا تكرمت علينا أيها المساعد وأحضرت الضمير إلى مجلسي.
المساعد:سأهب لإحضاره في لمح البصر.
حراس الملكة:الضمير يطلب الإذن بالدخول إلى مجلسك الموقر يا مولاتي.
الملكة:اسمحوا له بالدخول أيها الحراس.
الضمير:تحياتي يا مولاتي...ألف شكر لك على دعوتي.
الملكة:تعالى أيها الضمير...اجلس قرب الإنسان...فمسكنك بعد اليوم سيكون صدره،فلتظل لصيق صدره
قاض على أفعاله.
الضمير:سألبي النداء...وسأتقلد منصب القضاء...سأحمل سيفي في وجه كل الأعداء.
الملكة:حسنا انصرفا الآن،ولا تفترقا أبدا،واعلم أيها الإنسان أن الضمير سيظل لصيق صدرك ،قاض
في أمرك،لا يصدر عقلك أمرا إلا قلبه ضميرك بالفحص والتمحيص،
وأنت أيها الضمير...أنت من اليوم فصاعدا القاضي في الأمر،لا ينسل خلف الإنسان منكر إلا دقت
عندك أجراس الإنذار،فتنبه الإنسان بأنه أخطأ الاختيار،ووجب عليه أن يعدل عن أمره،فشدّ على قلبه
حتى يشعر بوخز السهام في صدره،ويوبخ نفسه التي سمحت للشر أن يتسلل إليها،فيرجع عن أمره
ويفوض الأمر لربه،ويحتكم إلى مملكة الأخلاق والقيم.
الملكة:صف لي رأيك بكل صدق في هذه الخطوة الجريئة.
الحكيم:بهذه الطريقة يا مولاتي سيظل الحال يمشي على سلاسة وسلامة تامة،فمادام ولاء الإنسان
للمملكة الأخلاق والقيم مستمر،ومادام الإنسان يحضن الضمير في صدره ويستشيره في أمر،فالأمور
بخير والحمد لله.

المشهد الثالث: أول ليلة مع الضمير
الضمير:اسمع يا إنسان...أنا اليوم القاضي على أفعالك،وسأنبهك عند كل خطوة تخطوها،فإن تعلق الأمر
بفعل الخير ،أحسست بشعور جميل يختلج صدرك،وسعادة ورضا عن نفسك،وراحة بال يتبعها نوم هنئ
وأحلام جميلة.
الإنسان:وماذا لو سمحت للشيطان أن يوسوس في نفسي ولقوى الشر أن تستحوذ على عقلي،وساقتني
إلى كل منكر محرم.
الضمير:إذا تحولت يا إنسان إلى وحش مفترس،أناني متغطرس،طماع جشع،لا هم لك سوى تحقيق
مآربك الخاصة،وبسط رغباتك على حساب الأخلاق والقيم،فسينطلق عندئذ الإنذار،وسترى العقاب.
الإنسان:وما هو حال من أساء الاختيار؟.
الضمير:سأرفع لواء الحرب ضد العدوان على نفسك يا إنسان،وسيدق ناقوس الخطر لينذرك يا إنسان
أنك خنت الأمانة ،وأنك بعت إنسانيتك،وأعلنت العصيان والعداوة،ووقفت في وجه مملكة الأخلاق والقيم
ودنست نفسك الزكية.
الإنسان:وأي حال سأمسي عليه،إن أنا تخليت عن الأخلاق والقيم ؟.
الضمير:سأظل أحترق في قلبك ،وأنين يدوي في صدرك،سأمضي الليل بطوله أؤنبك وأحرم النوم
عن جفنيك.
الإنسان:ما إن يحل الصباح أيها الضمير،حتى تراني أستقبل الفجر الجديد،أغتسل من ذنب الأمس،وألبس
ثوب التوبة،وأسير إلى بيت كل مظلوم ظلمته،أطلب منه  العفو والصفح.
الضمير:سترى البسمة تعود إلى ثغرك،والغمام الأسود أزيح عن صدرك،وملامح الإنسانية تقبل خديك
وتبشر كل من يلمح وجهك أنك أصبحت طاهرا من جديد.

المشهد الرابع:الملكة تطمئن على حال الإنسان.
الملكة: أيها المساعد اذهب في طلب الإنسان والضمير إلى مجلسي.
المساعد:سأذهب لإحضارهما في الحين يا مولاتي.
الحراس: الإنسان والضمير يطلبان الإذن بالدخول إلى مجلسك يا مولاتي.
الملكة:اسمحوا لهما بالدخول يا حراس.
الإنسان والضمير:تحياتنا يا مولاتي.
الملكة: كيف أصبح حالك وأنت بصحبة الضمير يا إنسان؟.
الإنسان:أنا على خير حال يا ملكة مملكة الأخلاق والقيم.
الملكة:اسمع أيها الضمير...أنت حامي الحمى،والمدافع الصامد عن إنسانية هذا الإنسان،فاسعد بهذا
الصدر الرحب الذي يؤويك،ويستشيرك في كل أمر،ويجدد ولاءه لمملكتنا كل يوم.
الضمير: سمعا وطاعة يا مولاتي.
الملكة:اسمع أيها الضمير ستظل مفخرة هذا الإنسان،وحامل شعلة الحق،سنلبسك اليوم ثوب الأمانة،
ونضع على رأسك تاج الفضيلة،ستمر كل ليلة على الإنسان فتقعده في مجلس القضاء،فتدخل معه في
 حساب عسير،لا تترك زلة إلا أحصيتها،فلا تسمح لنفسه أن تسكن الشر في قصرها،فتعكر صفاء روحه
وبياض قلبه،فظل لصيق صدره،ولا تفترقا أبدا.
الضمير والإنسان: حاضر يا مولاتي.
الملكة:ما قولك يا حكيم؟.
الحكيم:سيظل الحال يسري على سلاسة وسلامة...كل ليلة يفتح الضمير كتاب خطايا الإنسان،والتي
جنتها يداه طول النهار،فيرجع إلى مرجعه المقدس ،إلى أحكام مملكة الأخلاق والقيم،يلقى الضوء على
أفعاله،ويرى إن كانت تتماشى مع أحكام المملكة،أم أن سلوكه لا يرقى لمنزلة الإنسان الذي جبله الخالق
على الفطرة السليمة،وأنه قد انحرف عن مساره،وتسللت إلى نفسه الوساوس،فعاث في الأرض الفساد
وتعدى على حقوق العباد.
الملكة: إذن نترك مهمة صقل الإنسان على الأخلاق الحميدة والقيم المجيدة للضمير.
المشهد الخامس: ليلة الحساب
الضمير:ألاحظ شيئا غريبا قد تسلل إلى أعماقك أيها الإنسان،وصار واجبا علي تقلد منصب القضاء
لتأديتي واجبي على أكمل وجه،وقد قررت جاهدا أن أعيد الأمور إلى نصابها.
الإنسان:ما الذي تسلل إلى أعماقي أيها الضمير،وجعلك في حالة غضب وهيجان،تعيد العدة وكأنك إلى
حرب ضروس ستسير.
الضمير:أرى أنك يا إنسان بدأت تسمح للشر بالتغلغل في أعماقك،وأنا هنا بالمرصاد،سأشد على صدرك
شدا تتقطع معه نفسك،ويدمع منه فؤادك،سأطرد فيروسات الشر خارج قلبك،وأزرع بدلها بذور الخير
والإحسان،فانظر ماذا تفعل،هل تبقي الشر يتوغل في قلبك،أم ترميه خارجا وتستريح.
الإنسان:أبشر يا ضمير فنفسي صافية من كل حقد وغل...وتربة قلبي لا يزرع فيها سوى بذور الخير
والإحسان.
الضمير:إذن فلتنطلق الأعياد والأفراح،ولتبرز النجمات الذهبيات في السماء،ولتعم الفرحة والبهجة
والهناء،وليشمت الكل في الأعداء...
وها أنا ذا أرخي الوثاق عن صدرك،لتستريح وتذوق طعم الراحة والنوم،بعد هذه المعركة التي أتعبت
النفس،وحيرت العقل وجرحت القلب.
الإنسان:نعم سأنام قرير العين،مرتاح البال،وأنا أعلم أني لم أخن مملكة الأخلاق والقيم،ولا عتاب لها
علي،ولا عقاب منها يسلط علي،وستمضي العلاقات الإنسانية تربطها المحبة،مادام لمملكة الأخلاق
والقيم مفتاح سعادة النفوس.

المشهد السادس:الحكيم ينبه الملكة لنقطة هامة
الملكة:ما رأيك أيها الحكيم في هذا الإنسان،هل سيظل ولاءه لمملكتنا،أم ستزل قدمه كما زلت أقدام
الذين قبله،هل سينجح في الحفاظ على ولاءه لمملكة الأخلاق والقيم؟.
الحكيم:لا أدي يا مولاتي،فالشر يظل يتربص بالإنسان،والشيطان دائما له بالمرصاد،ينتظر الفرصة
لينقض عليه.
الملكة:والحل الذي تراه مناسبا لمساعدة الإنسان على مقاومة إغراء الشيطان؟.
الحكيم:عليك يا مولاتي بتوعية هذا الإنسان،وتذكيره دائما بعدوه الشيطان،عليه ألا ينسى أنه عدوه المبين
وأن صراعه معه أبدي،لا ينتهي إلا بقدوم يوم الحساب.
الملكة:نعم الرأي رأيك يا حكيم،شكرا على نصائحك الثمينة ،أما بخصوص الإنسان،فسأذكره في لقائنا
القادم بخطورة مخطط الشيطان وأتباعه من الإنس،وبضرورة الحذر من إغراءات الشيطان له

الفصل الثاني: الصراع الدائم بين الشيطان والإنسان
المشهد: قصة الصراع الأبدي
الملكة: منذ أن خلقت يا إنسان،ورأت عيناك النور،ونفخ خالق الكون فيك الروح،وجبلك على الفطرة
وحب الخير،وعدو مبين يتربص بك في كل حين.
الإنسان: ومن هو عدوي الكبير،يا مملكة الأخلاق والقيم؟.
الملكة:إنه الشيطان يا إنسان...ينتظر الفرصة في كل زمان ومكان.
الإنسان:وماذا يريد الشيطان...مني أنا الإنسان؟.
الملكة:اسمع يا إنسان ...نزلت كل الشرائع السماوية،لتحثك أنت الإنسان على التمسك بالأخلاق والقيم
والابتعاد عن المحرمات والمنكرات،فعزز الله رسالته برسل وأنبياء،حملوا راية الحق،وأناروا شعلة
الهدى،فساقوا الإنسان إلى الطريق الصحيح،ولكن الشيطان كان عكس الرسل والأنبياء...
الإنسان:وماذا فعل الشيطان يا ملكة مملكة الأخلاق والقيم؟.
الملكة: الشيطان يا إنسان...كان دائما يضمر لك العداوة والبغضاء،فزرع في نفوس بعض البشر بذور
الشر،وأشعل نار الفتنة بين بني الإنسان،فانقسم البشر إلى حزبين...حزب آمن بالله وعمل برسالته،وصان
الأخلاق والقيم،وحضن الضمير في صدره وحماه من الموت والفناء...وحزب
الإنسان:معذرة يا مولاتي ...هل هناك من سلك سبيلا غير سبيل الحق؟.
الملكة: نعم أيها الإنسان...هناك حزب اتبع خطوات الشيطان...وسمح لوساوسه أن تعشش في صدره
وتسيطر على عقله،فأعلن الطاعة والولاء للشيطان،وبذلك أعلن التمرد والعصيان على مملكة الأخلاق
والقيم،وكفر برسالة الرحمن التي جاءت لتصون الأخلاق والقيم،فراح يعيث في الأرض الفساد،ويعبد
الطريق ليحكم الطغيان،ويطمس إنسانية الإنسان.
الإنسان:وماذا حصل بين البشر بسبب اختلاف السبل وتعارضها.
الملكة:نشب صراع بين الخير والشر...إنه صراع أبدي بدأ مع الجن،ثم انتقل واستمر مع الإنسان،فبعد
تمرد الجن وإعلانهم العصيان والخروج عن العقيدة،ونفي الأخلاق والقيم،راحوا ينشرون الخراب
والدمار،فكثر الفساد في الأرض،لذا أرسل الله من عنده من يحارب الشر ويدافع عن الخير،ويصون
مملكة الأخلاق والقيم.
الإنسان:وكيف كانت نهاية الحرب بين الخير والشر؟.
الملكة:الحرب بين الخير والشر لا نهاية لها يا إنسان...حتى تقوم القيامة...ويأتي يوم الحساب
لكن في هذه المعركة الضروس بين الخير والشر،بين من يدعو للعقيدة الصحيحة،ومن يدعو
لإباحة المنكرات والتخلص من حكم الأخلاق والقيم والتحرر من سلطتها المطلقة،كان قضاء الله
وقدره أن تعلو كلمة الحق،وينتصر الخير على الشر لتبقى الأخلاق والقيم تتربع على عرش الحكم
وتظل الأرض تعمر بالخير والإحسان،وتطرد الشياطين وشرها بعيدا إلى الجزر المهجورة
وتعود الأرض يعمها الأمن والسلام.
المشهد الثاني : قصة نزول وارث جديد للأرض
الإنسان:يا مولاتي ...أردت أن أعرف ماذا حصل بعد فرار الجن إلى الجزر المهجورة،هل بقيت الأرض
         خالية ،لا يوجد من يعمرها.
الملكة:لا ...نزل مخلوق جديد من السماء،ليرث الأرض ويحي فيها شرائع الله،ووحي السماء،واستغربت
الملائكة الكرام قرار الرحمن.
الإنسان:ومن هذا المخلوق الجديد ،الذي كرمه الله ليرث الأرض،ويحي فيها شرائعه؟.
الملكة: إنه الإنسان...فضله الله على سائر الخلق،وفوضه ليحكم الأرض في عدل وإنصاف،ويحتكم
في ذلك للأخلاق والقيم،متمسكا بالعقيدة الصحيحة،ومنتهجا السبيل والصراط المستقيم.
الإنسان :وماذا لو تكررت تجربة الجن مع الإنس...وعم الفساد ربوع الأرض من جديد؟.
الملكة: لقد تخوفت الملائكة من تكرار تجربة الجن مع الإنسان،ويعم الأرض الفساد من جديد
ولكن الله أوحى للملائكة أنه إختبار...من نجح فيه فقد فاز بالنعيم...ومن فشل فسيساق للجحيم
الإنسان :وماذا حصل بعد ذلك،هل ساد السلم والأمان،وصان الإنسان الأخلاق والقيم؟.
الملكة:ظلت الشياطين تتربص بالإنسان،وتوسوس في نفسه الطاهرة ،تحاول تدنيسها بزرع الأفكار
الخبيثة في عقله ودفعه إلى المعصية،والخروج عن شرع الله.
الفصل الثالث: ملامح العداوة بين الشيطان والإنسان
الملكة:اسمع يا إنسان،كان الشيطان سبب خروج أب البشرية من الجنة،فبعد أن وسوس له الشيطان
ليعصي ربه ،ارتسمت ملامح العداوة جليا،وصار واضحا أن الشيطان هو العدو المبين للإنسان،والذي
سيعمل على قطع حبل الوثاق بين الإنسان وخالقه،فيخرجه عن شرع الله،وعن حكم الأخلاق والقيم
ويتبع هواه غير آبه بحدود الله وشرعه،ولا مبال بحكم الأخلاق والقيم.
الإنسان:وماذا حصل بعد أن راح الشيطان يزرع بذور الفتنة؟.
الملكة:استسلم بعض البشر للشيطان،ونصبوه على أمرهم سلطان،وبذلك دقت طبول الحرب بين بني
الإنسان،وبهذا تفرقت البشرية بعد أن كانت أخوة الفطرة تجمعها،لتندلع حرب حول القيم ستسود لتحكم
الأرض ،ومن هو أحق بحكم الأرض.
الإنسان:إذن ،فقد انقسم البشر إلى قسمين،كما حدث تماما مع الجن.
الملكة:نعم في هذه الحرب انقسم البشر أيضا إلى قسمين...قسم يعبد الرحمن،وأخذ على عاتقه حماية
الأرض من الكفر والطغيان...وقسم من البشر أراد الخلود،وأباح كل محرم،وفوض أمره إلى إبليس
فحل عليهم غضب رب العرش العظيم،ونصر المتبعين وعزز رسالته بالمرسلين،لينيروا الطريق
للمهتدين،وينذروا من أعرض عن ذكره،وآثر إتباع  الشيطان بعذاب الجحيم.
الإنسان:وما الرسالة التي جاءت بها الرسل والأنبياء؟.
الملكة:جاءت الرسل لتبين للخلق أي السبل يؤدي للنعيم،فنشروا الخير وحكموا بالعدل،فكانت حياتهم
نعم الحياة التي تنبع بالأخلاق والقيم.
الإنسان:وهل ما زال في زمانا من الرسل؟.
الملكة :الصادق الأمين...خير البشر أجمعين...هو أخر المرسلين...جاء ليتمم الخلق الكريم...فكان خير
السراج المنير...ومن تبعه من الخلفاء الراشدين،ومن بعدهم الصالحين ممن حملوا راية الحق،وعملوا
بالشريعة وما نزل في الدين.
الإنسان:وما ذا حصل بعد وفاة المرسلين،والخلفاء الراشدين،والصالحين؟.
الملكة : على مر الزمان...توالت ضربات العدوان...وراحت تعصف بالأخلاق والقيم في كل مكان
وتضرب اللجام على اللسان...وتضيق الخناق على الضمير...وتدعو لنفي الأخلاق والقيم،وتمهد
الطريق لتصدير قيم جديد...
المشهد الرابع: غزو القيم الجديدة
الإنسان: ما هي القيم الجديدة...التي أصبح كل قلب يركض وراءها؟.
الملكة:قيم تدعو للمصلحة الفردية...جعلت رمزا للحضارة والتقدم...جعلت كل شيء مباح تحت
ذريعة الحفاظ على مصلحة الإنسان.
الإنسان:وما مصدر هذه القيم يا مولاتي؟.
الملكة: ما هي إلا وساوس شيطانية...عادت في حلة جديدة...لتلوث أيدي البشرية بدم الأفعال الإجرامية
لا تراعي الضمير والإنسانية.
الإنسان:وهل توسعت إلى درجة كبيرة،أين صار الإنسان يقدسها،ونسي معها ولاءه لمملكة الأخلاق
والقيم،وتحرر من ضميره.
الملكة: نعم...هذه القيم راحت تبسط سلطتها على ربوع الإنسانية،وزاد في رواجها الوسائل الإعلامية
التي دخلت البيوت دون أن تستأذن أو تطرق الباب،فوجدت لها وكرا في عقل الطفل الصغير،فظلت
تغذيه وترضعه من لبنها المسموم.
الإنسان:وكيف استقبل الناس هذه القيم الجديدة؟.
الملكة:هذه القيم الدخيلة على عقيدتكم يا إنسان،تحولت فجأة من قيم منبوذة مرفوضة إلى قيم مستحبة
مطلوبة...قيم سادت على أرض الواقع...كفرت بالأخلاق والقيم...وأطلقت عليها اسم المثل التي لا تسرح
إلا في خيال الإنسان،ولا تصلح للحكم أو تحقيق مصلحة الإنسان.
الإنسان: وهل أصبحت هي السائدة في هذا الزمان...والمرجع المقدس لكل إنسان؟.
الملكة:ظلت تتوسع وتمتد...حتى تراجعت مملكتنا...ولم يعد لها ذكر على اللسان...ولا تدرج في الحسبان
إلا بعض المناسبات أو على حدود بعض البلدان.
الإنسان:وكيف استطاع واضع هذه القيم تسويقها إلى غالبية الناس؟.
الملكة: هذه القيم يا إنسان سوقت للناس باسم الحضارة والتقدم...ولكنها حولت الإنسان لوحش مفترس
فراح البشر يتصارعون...ليس لإعلاء كلمة الحق...ودحر المنكر والباطل...وصون الأخلاق والقيم
ولكن لأجل تحقيق مآربهم وأطماعهم التي لا تحتكم للأخلاق والقيم.
الإنسان: إلى أي مدى كانت أطماع البشر في التسلط والتحرر من القيم والأخلاق؟.
الملكة:أطماعهم لم تكن لها حدود...كل ما تبلغه أيديهم يصير ملكا لهم...ما يراود نفوسهم من أطماع
يركضون وراءه كالسكارى...لا يلتفتون لا للأخلاق ولا للقيم التي كانت تحكمهم...
انتهى مجد الأخلاق والقيم بالنسبة لهم...ودفع بالأخلاق والقيم إلى زنزانات النسيان
وسلم مفتاح الحكم للإنسان...فك وثاقه ،وأطلق العنان...لغريزة الحيوان...
المشهد الخامس: إغراء الشيطان للإنسان
الملكة: يوما بعد يوم راح الشيطان يلقي بسحره وتعويذاته على الإنسان،يشعل في قلبه نار الأنانية
والغرور،ويوسوس له بترك عادات وعقائد من خلا من آبائه على مر العصور،واتباع طريق الفجور
غلق صفحة الماضي...وفتح صفحة جديدة تدشن لحياة اللهو والمرح دون نقصان أو قصور،ودون
التفات لما خط في السطور ،أو جاء في سنن الأولين من أحكام وشرائع.
الإنسان:وهل سار البشر على خطى الشيطان...وتركوا عقيدة الرحمن؟.
الملكة: هناك من البشر من خط خطاه لتحقيق مجده المختلط بسم الشيطان،ولم يراعي في سبيل تحقيق
مصلحته الكبير ولا الصغير.
الإنسان:وماذا كان موقف الناس من هذه التجربة المشرع الجديد الذي جاء ليحقق نصره المجيد...؟.
الملكة: لقد سمع التصفيق والتهليل...فلم يكتفي...وأراد أن يسوق أفكاره للجميع،فيسوقهم إلى الجحيم
وفعلا تحولت الحياة إلى جحيم،تأكل فيه نار الحسد القلوب المريضة،وتهضم البطون المكاسب المسمومة.
الإنسان:وكيف أصبحت علاقة الإنسان بأخيه الإنسان؟.
الملكة:صار الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان،ذئبا يترصد بكل مغنم،غير مبال بمصدره،لا حكم سوى للقوة
ولا كلمة إلا للمدفعية،السلب والنهب صار أسرع الطرق لتوفير عيشة هنية،الطمع يطغى...وطغيان
الإنسان لا يعد ولا يحصى.
الإنسان:إذن فقد اندلعت حرب جديدة بين البشر.
الملكة:اشتعلت نيران حرب مدمرة،طغت فجأة على الساحة،لم تترك للإنسان مساحة،فيحصل على
استراحة،يتفكر فيها برهة مع نفسه،لعله يدرك الورطة التي أوقع نفسه فيها...لا فالزاد في نقص وفناء
وعليه يتقاتل الأشقاء قبل الأعداء،والكل يبسط لطغيانه الأسباب،ويتحجج بصون مصلحة الإنسان.
الإنسان:وما هي نتائج هذه الحرب بين بني الإنسان؟.
الملكة:كانت نتائجها وخيمة،سقطت الأرواح،رملت النساء،يتم الأطفال،هدمت البيوت، ضربت جدران
المساجد بالمدافع...وكل هذا والإنسان واقف بالمرصاد ،وعلى أنانيته وغروره يدافع.
الإنسان:وكيف صارت الحياة اليومية للناس،بعد تجبر البشر وجفاف ينابيع الرحمة ؟.
الملكة:غابت عنها العدالة والرحمة،معظم البشر يقاسي مرارة العيش،ويشقى من أجل لقمة العيش
والقلة القليلة في بذخ وترف،غير مبالية مطلقة العنان للأفراح،لا يختنق لمعاناة الجيران،لا يلين قلبها
لأرملة راحت تترجى من يجود عليها لتسد جوع صغارها الأيتام.
الإنسان:وما سبب هذا البلاء الذي حل على الإنسان؟.
الملكة:إنه طغيان الإنسان،حين يتحرر من كل سلطة ومراقب،حين يبيع ولاءه لمملكة الأخلاق والقيم
واتبع وساوس الشيطان،فراح يبطش بالأبرياء،فيغزو بلاد الضعفاء،يجعل مبانيها رمادا متناثرا،ويجعل
أهلها عبيدا وسخرة،يستحوذ على ثرواتها وخيراتها،ويجعل أصحابها بلا زاد و لا مأوى.
الإنسان:وما سبب هذه المعادلات التي لم يفهمها إنسان هذا الزمان؟.
الملكة:اختلطت الحسابات في زمن التقدم والتحضر،ذهب مماليك وجاءت مماليك،ولكن غاب المنطق
السليم...أين الحكم الذي يعيد للإنسان إنسانيته،أين القاضي الذي يرجع في حكمه إلى أسمى الأخلاق
والقيم؟.

الفصل الثالث :المحاكمة
المشهد الأول: العصر الجديد
الملكة: لم يبقى في عصرنا الحاضر من حكم سوى الطغيان...ولا من العدل سوى ما شرعه من بيده
قوة المدفعية و الدبابة...لا حكم إلا للرصاصة التي أزهقت الأرواح.
الإنسان:كيف صار العالم في عصرنا الجديد؟.
الملكة:عم الفساد ربوع الأرض،وتولى مقاليد الحكم من لا يهتم سوى بتعذيب الإنسان ،تساقط القتلى
كأوراق الشجر حين تهب عليه رياح الخريف،وأسياد هذا الزمان يشربون نخب انتصارهم المجيد
على إنسان لم ينل من هذه الدنيا،سوى ضمير ظل يغذيه من الوريد،فيحين داست أقدامهم الخشنة
على ضمائرهم اللينة،فاخشوشبت الصدور ،وصارت كاللوح لا سبيل للولوج إليها،لا تفتح الباب لنسيم
عليل ينعشها،ولا تعطي أذنا لكلمة رقة تطفئ نار الحقد المتقدة في قلوب هؤلاء البشر.
الإنسان:وكيف لقي طغيانهم هذا الرواج الكبير،ونسوا دور مملكتهم الكبير في الحفاظ على السلم والأمان؟
الملكة:صوروا الطغيان على أنه انتصار...فصار متداولا على اللسان...فلقي المدح والاستحسان...ونسي
الإنسان الكرم والصفح والإحسان.
الإنسان:إذا تخلى البعض عن هدفهم في هذه الحياة ،ونصبوا لهم أهدافا خاصة،فماذا جنوا؟
الملكة:راح هذا الإنسان يركض وراء مصلحته،يفتخر إذا بلغ ليها السبيل،صار ينام غير مبال،لقد
أوصد الأبواب في وجه ضيفه المعتاد،لقد أبقى الضمير خارج صدره،رماه إلى الخارج،لا دفء الصدر
يؤويه ...ولا وريد القلب يغذيه.
الإنسان:وهل هناك من البشر من استطاع قتل الضمير؟.
الملكة:لقد بدأ البشر يتحررون من سلطة الأخلاق والقيم...لم يعد للضمير في أفعالهم أمر...لم يعد في
الساحة سوى أطماع مغلفة بغلاف ذهبي...يأخذ الأنظار...تأسر القلوب...وتسحر العقول...فيسير البشر
وراء أطماعهم دون التفاف لما تحوي هذه القيم الجديدة ما بداخلها من نقصان وقصور.
لقد تحولت الحياة إلى زحام شديد تتصارع فيه المصالح،ويتخبط فيه البشر،يبيعون بعضهم بعضا
ببعض دنانير تدخل أرصدتهم...دول تبتلع دولا...بشر يسلبون كرامة الإنسان جهارا نهارا.
الإنسان:هل تحولت الحياة في عصرنا من رحلة خير ونماء...إلى البحث عن قضاء المصالح ولو
على حساب الضعفاء؟.
الملكة:صارت الحياة مضمار سباق،يسوق فيه الإنسان جسده الخالي من الروح بسرعة رهيبة،يتلهف
لأي شيء يحقق مصلحته...وفيما البشر يتقاتلون ترى إبليس متربعا على عرشه...فرحا بانتصاره على
الإنسان...الذي لم يعد إنسان...فقد ذهب عنه عبق الفطرة الإلهية...وخرج عن ملة سيد البشرية...خان
الأمانة وفرط في الروح الإنسانية.
المشهد الثاني: حال الضمير مع إنسان هذا الزمان
الإنسان: ما حال الضمير اليوم مع هؤولاء البشر الذين تحرروا من حكم الأخلاق والقيم،إلى أين قذف
تيار المصالح الذي طغى على النفوس؟.
الملكة:لم يعد للضمير سيطرة على الأمور,حاكم قد اجتمع عليه القوم،واتهموه بتعطيل مصالح الإنسان.
الإنسان:وهل صار الضمير يسبب لهم الضرر،بعد أن كان سببا في زوال الأضرار؟.
الملكة:لقد كثرت شكاوى الإنسان منه...فقد مل إنسان هذا الزمان من مضايقة الضمير له عند المنام،
وصار الجميع ينادي بنفي الضمير خارج المملكة الجديدة،حتى يتمكن من النوم في هناء.
الإنسان:وماذا حل بالضمير بعد أن قرر البشر طرده ونفيه من قلوبهم؟.
الملكة:لقد كثرت الشكاوى منه،حتى وصلت إلى القاضي الجديد،قاض لا يؤمن بالحق ولا يحكم بالعدل
قاض يهمه الربح والمصلحة فقط...قاض لا يفقه سوى لغة الحسابات والمكاسب...قاض اسمه "مصلحتي
ونفوذي".
الإنسان:وهل أصبح الضمير متهما بعد أن كان القاضي في أمر الإنسان؟.
الملكة:ستعقد الجلسة قريبا بين إنسان هذا الزمان ،والذي صار يرفع شكاوى غير متناهية ضد الضمير
الذي يراوده في اليقظة والمنام...يمنع عنه النوم والراحة...ويفسد عليه سعادته التي يقطفها من شقاء
الضعفاء.
الإنسان:ومن الطرف الثاني في هذه القضية التي رفعها الإنسان إلى القاضي الجديد؟.
الملكة:إنه الضمير...ضميرهم الذي ظل ينبض...حين غابت عن الإنسان إنسانية...حين انسلخت عن
العطف والحنان جلدته...وذهبت مع المصلحة الفردية فطرته.
الإنسان:وهل صار الضمير عالة على البشر اليوم؟.
الملكة:نعم ...فقد ظل ينبض...يحاول السيطرة على جنون الإنسان...وجنوحه للقوة والطغيان...ليخرج
من سيطرة الطمع والجشع...وينقذ إنسانيته من فتك الطغيان...فيهديه إلى طريق النور...حتى يدرك
مخطط الشيطان...الذي أوقع العداوة والبغضاء بين الإنسان وأخيه الإنسان.
الإنسان:وماذا سيحل بالضمير ،بعد أن تحرر البشر من سلطة الأخلاق والقيم،ونصبوا قاض جديد
على أمورهم؟.
الملكة:الضمير الضحية ...الذي صار بين ليلة وضحاها متهما...والذي سينظر القاضي في أمره...
وسينزل عليه أشد العقاب ...بتهمة تعطيل مصالح الإنسان...هذا الضمير الذي لم يبقر له عند الإنسان
مقام.
الإنسان:وهل تخلى كل البشر عن ضمائرهم...ألم يبقى في الساحة من يدافع عن الإنسان؟.
الملكة:يا إنسان...لقد سرى الطغيان في دم كل إنسان...وتحول إلى وحش أعمى لا يبصر إلا مصلحته
وقد ارتأى في ذلك إقصاء كل ما يحول بينه وبين وصلحته...بدأ بالأخلاق والقيم...واليوم سيختم بضميره
الصغير...
الإنسان:وأين ستعقد جلسة محاكمة الضمير...أريد أن أحضرها وأرى كيف صار حال من كانوا بالأمس
إخواني في الإنسانية.
الملكة:سيحاكم الضمير عند المملكة الجديدة للإنسان...وسيحاكمه القاضي الجديد ...والمدافع العنيد
عن المصلحة الفردية...فحضر المحاكمة يا إنسان لترى ما سيفعله طغيان الإنسان بالضمير.
المشهد الثالث:الإنسان يزور المملكة الجديدة
الملكة الجديدة:أيها الحراس أحضروا الضمير الإنساني إلى قاعة المحاكمة.
الحراس :حاضر يا مولاتي.
الناس في المحكمة: القصاص ...القصاص ممن عطل مصلحة الإنسان.
الإنسان: ما سر هذه النظرات القاسية التي تنبعث من أعين حماة المصلحة البشرية...ثم لماذا لا تدافعون
أنتم القلة القليلة هناك عن الضمير المظلوم؟.
الموالون للمملكة القديمة:صرنا نخاف على حالنا من الإنتقام...والإتهام بالرجعية والولاء للمملكة القديمة
ماذا بقي من مملكة الأخلاق والقيم...لقد اندثرت ولم يبقى لها وجود...إلا في بعض الأراضي التي لم يمتد
إليها طوفان الطغيان بعد...وماذا سيحل بنا بعدها...سنلقى نفس مصيرها...
الضمير:حتى لو رحلتم جميعا...سأظل وحدي في الساحة...سأظل أكافح من أجل العودة للمجد...من أجل
الارتقاء بالإنسانية من جديد...حتى لو داستني أقدام الغطرسة البشرية.
المشهد الرابع: محاكمة القاضي للضمير الإنساني
الملكة الجديدة:فليدخل قاضي الزور والجور...حاملا بيده صولجان الأنانية والغرور...وليسد القاعة
الهرج والمرج...ولتقرع طبول الحرب على هذه الضحية الضعيفة...
القاضي :فلنستمع لشكاوى الإنسان الذي أفلح في التحرر من ضوابط الأخلاق والقيم.
الموالون للمملكة الجديدة:القصاص ممن عطل مصالحنا...وقيد خطانا...حرمنا من النجاح والارتقاء...
كبلنا...حرمنا من النوم في هناء...أمضينا ليالي الشتاء نتعذب من جراء التأنيب والتوبيخ...مزق قلوبنا
وخنق صدورنا...نطالب بالقصاص وإعدام الضحية.
القاضي:لن نستمع اليوم لدفاعك أيها الضمير...لأنه لا يوجد من يدافع عنك...فأنت مجرد ضحية ضعيفة.
الضمير: ومن يدافع عني في زمن لا همّ للإنسان فيه سوى مصلحته وإن فنت من بعده البشرية.
الإنسان:بالطبع لن يحيل القاضي الكلمة للضمير،فمن ذا الذي يعيره اهتماما...وهو آخر روح تحتضر...
إنه لآخر فرد من مملكة الأخلاق والقيم التي حكمت هذا الإنسان يوما ما...وغذت إنسانيته لمروج الخير
والإحسان...ولملئ الأرض عطاء وجودا وحنان...
لكن الزمان رفع الستار على وحش آدمي...كسرت نفسه أقفال سجنها،وخرجت تترك خلفها آثار الإثم
والطغيان...وهذا حالنا اليوم.
القاضي:رفعت الجلسة...سيعلن الحكم عند هبوط الليل...وستحضر الشياطين لتبارك لنا نصرنا...
وتحررنا من قيد لازم الإنسان لسنين...وحرمه من العيش في حرية مطلقة...دون حاجز يسد طريق
وصوله إلى الكمال المطلق...والقوة التي لا تقهر...دون عراقيل تعثر استعراضه لقواه...وتجربتها
على الضعفاء...
قررت:سيساق الضمير إلى حفرته،في أبعد حجر في القلعة...لننظر في أمره لاحقا.
المشهد الخامس: النطق بالحكم
مشعوذ الملكة:اسمعوا يا من تحرروا من سلطة الأخلاق والقيم،بعد قليل سيطل علينا قاضي المصلحة
ليبيح لنا قتل وإعدام الضمير الإنساني...فيبدأ عهد جديد...يعيش الإنسان فيه دون قيد وحديد...يشده
عن البطش والقتل.
الملكة:فليعتلي قاضي المصلحة المنصة ،ولينطق بحكمه في قضية الضمير الإنساني.
القاضي:لقد قررت نفي الأخلاق والقيم خارج المملكة الجديدة للإنسان...وأصدرت بيانا يمنع تداولها
على اللسان...
الموالون للمملكة الجديدة:يحيا العدل...تحيا الحرية...والمصلحة الفردية.
القاضي:أما بخصوص الضمير فقد قررت أن أبقي على حياته...
الموالون للمملكة الجديدة:لا لا...نريد القصاص...نريد القصاص...
القاضي: ليس رحمة به...ولا شفقة به ...أبقينا على حياته...
وإنما انتقاما وتسلية ...لقد قررنا صلبه أمام الملأ...ليكون لإنسان هذا الزمان رمزا للانتصار والتفوق
على مملكة حكمت الإنسان...عطلت مصالحه...حرمته من تحقيق كل ما يريد...خطت كل الحواجز
وزرعت الأشواك في طريقه لتحقيق مصلحته الفردية.
مشعوذ الملكة: مع تقلد الحكم قائد جديد...جاء عهد جديد...فاتحا الطريق للإنسان ليحقق نصره المجيد
نصره الذي سيسعى إليه دون أن يلتفت إلى ما جاءت به الأخلاق والقيم.
المشهد السادس: تنفيذ الحكم
الملكة الجديدة:إذن وحسب قرار القاضي...سيصلب ضمير الإنسانية...وسيعلق أعلى القلعة...لتشهد
البشرية على تحررها من عراقيل الضمير والروح الإنسانية...وتفتح لها الشهية لالتهام الأخضر واليابس
 ويباح لها كل محرم ومكروه...فلتمضي البشرية في حال سبيلها...لا تترك خلفها سوى الآثام...
ولا تراعي الأخلاق والقيم الإنسانية.
الموالون للمملكة الجديدة:ستكون هذه الليلة أول ليلة ننام فيها نحن البشر في سلام وهناء...لم يعد لذلك
الجزء الذي يتعلق بالقلب،ويشد على الصدر وجود...لن نحرم نحن البشر منذ اليوم من النوم الطويل...
والحلم الجميل...فلتبدأ الاحتفالات...ولننشر أخبار الخلاص من الأغلال والقيود التي كانت تحكمنا.
الملكة: فليظل الضمير معلقا مصلوبا...ولتمضي أيها الإنسان الحر في سبيلك...ليس لك ما تحتكم
إليه ...لا أخلاق ...ولا قيم تقيدك...ولا ضمير يؤنبك...ويحصي خطاياك...
صل وجل ،وعث في الأرض الفساد والدمار غير مبال...لا تراعي إلا مصلحتك...
المشهد السابع: عاقبة تعطيل عمل الضمير
الإنسان:آه لقد اشتدت حياة الإنسان...وبلغ شره حدا لا يطاق...وصار الكل يخشى على مصالحه من شر
أخيه...فصار لا ينام لا الليل ولا النهار...يمضي صباحه ومساءه يعد العدة للأعداء...ينصب الكمائن
للأحباب والأصدقاء...فتحولت الحياة إلى جحيم لا يطاق...كل إنسان يترصد بأخيه الإنسان...الكل يشكو
حاله...غشي القلوب غمام الحقد...وأعمى الطمع أعين الناس عن رؤية الحق والصواب في مملكة دفنت
الأخلاق والقيم تحت التراب...وراحت تفتخر بما أنجزته في سبيل خدمة مصلحة الإنسان...وصار لزاما
علي أن أنقل أخبار هذه المملكة الجديدة إلى ملكة مملكة الأخلاق والقيم المعزولة عن الحكم.
 الفصل الرابع: الجحيم
المشهد الأول: حال الإنسان بعد التحرر من سلطة الضمير
الملكة: أخبرني يا إنسان كيف وجدت حياة البشر في مملكة الحرية والمصلحة الفردية؟
الإنسان:تحولت الحياة إلى جحيم ،تعلو سماءه الظلم ،بعد أن كانت تعلوها  الأخلاق والقيم...
صار البشر لا يبصرون الطريق...لقد راح البشر يتخبطون بين جدران المصلحة...تدفعهم أمواجها
حيث تشاء...لتتصادم مع مصالح غيرهم...فينشب الصراع...صراع لا مبرر له سوى أنانية
الإنسان...وحب التسلط والطغيان.
الملكة:إنه صراع الجاهلية الأولى... يتكرر...كان الإنسان يأكل لحم أخيه الإنسان...ويشرب دم أخيه
الإنسان...وأراه اليوم يتكرر...فقد غيب الحق...وأزهقت الأرواح...رملت النساء...يتم الأطفال...ودمرت
البلدان...صفت الأرض بجثث الموتى...لا لشيء سوى تحقيق مصلحة الإنسان...في مملكة حكمت قلب
كل إنسان...استحوذت على عقل كل إنسان...أخلطت كل الحسابات...فلم يعد فيها للخير أي حسبان...
فالخير ما حقق مصلحة الإنسان.
الضمير:حدة الصراع بين البشر تزداد يوما بعد يوم...ومعها راح الإنسان ينسلخ عن جلدة الإنسانية...
ورويدا رويدا تحول غلى وحش آدمي...لا يفقه سوى لغة المكاسب والمصالح...
واشتدت قسوة القلوب حتى جف نبع الحب والحنان فيها...وتحولت مروج المحبة والعطف فيها إلى
أرض قاحلة ...لا تبعث سوى بحمم بركانية ساخنة...حمم الحقد والكراهية...غابت رجاحة العقل...
وحكمت مكانه أفعى جهنمية تنفث سم الخبث والمكر في كل عين بريئة...وفي كل قلب إنسان هناك
ضمير ظل ينبض خفية...خشية سوط الأفعى الجهنمية.
الملكة:شيئا فشيئا ستتلاشى ملامح الإنسانية...وتتخشب معها الروح البشرية...وتبرز على الوجه قسمات
العدائية...لا معنى بعد اليوم للروح الإنسانية الشديّة...في مملكة الحرية والمصلحة الفردية...
ستتحول الحياة ،والشوارع والأزقة إلى ساحات ومساحات لا تحمل فوقها سوى أشكالا بشرية...
أجساما خالية من الروح الإنسانية...ستبطش أيدي الطغيان دون أن تراعي الطفولة البريئة...
ستأكل أفواهها كل ما ستصادفه في طريقها...دون أن تلتفت إلى أفواه الأطفال الجياع...أطفال ظلت
بطونها خاوية...فأين القيم الإنسانية...؟
سيعم الفساد ويكثر القتلى...ستهدم البيوت باسم المصلحة الفردية.
ستندلع الحروب ...ستكثر المعارك...سيسقط القتلى...والكل ينادي أين المصلحة الفردية؟
الحكيم:هل المصلحة الفردية تبيح قتل الأخوة والمحبة...بحجة الوصول إلى الذروة والكمال...
متى كانت الأخلاق والقيم تنقص من قيمة الإنسان...ألم تكن خير دليل عن الطيبة والحنان...وترفع
الإنسان عن المنكر والخيانة والعدوان ...فماذا تغير؟
الملكة:صرنا نرى الحروب بين البلدان...نرى الحروب داخل البلدان...نرى الحرب بين الأخ وأخيه
ونرى حتى صراع الإنسان مع نفسه...يضطرب وتختلط عليه الحسابات حول أي السبل يحقق له
أكبر قدر من المصالح.
الإنسان:يا مولاتي لقد أصبح البشر اليوم يخجلون من ذكر الأخلاق والقيم على ألسنتهم،ستتهمه محكمة
المملكة الجديدة بالخيانة والرجعية والولاء لمملكتك.
الملكة :المملكة الجديدة...الملاك الحارس على رفاهية الإنسان...الملاك الحارس على توقير الإنسان...
الإنسان الذي تحول إلى هيكل متحرك يجر خلفه أذيال الطمع والجشع...يغرز مخالب الأنانية في جسد
الضحية الفتية...التي خرجت للدنيا صفية نقية...فعصفت بها أمواج الخيانة البشرية...ولفت حولها أغلال
الاستعباد الأبدية في مملكة لا تعير اهتماما إلا للقوة والجبروت،والبحث عن الخلود على حكم العرش
الجوري...الذي يمقت القيم الإنسانية...والتي بفعلة فاعل صارت منسية...أبيح قتل كل نفس زكية...
أبيح التعدي والعدوانية...إذا كان ذلك في سبيل تحقيق المصلحة الفردية.
المشهد الثاني: فوضى في المملكة الجديدة
الملكة الجديدة:ما أخبار مملكتنا أيها القاضي؟
القاضي: الكل يبكي ويشكي...لقد كثرت الشكاوى المرفوعة إلي يا مولاتي.
الملكة الجديدة:إذن لنمنح الناس مزيدا من الحرية ولنحقق لهم أكبر قدر من مصالحهم.
القاضي:يا مولاتي الحياة تسوء...وتسوء...والجميع يركضون...ويلهثون بحثا عن مخرج للورطة التي
وقعوا فيها...لا أحد يعلم سر هذا البلاء الذي وقع على مملكتنا.
الملكة الجديدة:لابد من الجلوس إلى مائدة مستديرة...نطرح كل مشاكلنا عليها...ونهتدي إلى طريقة منيرة
نقتسم فيها مغانمنا الكبيرة...ونعيش عيشة هنية...
أيها الحارس استدعي المشعوذ إلى مجلسي.
القاضي:يا مولاتي لقد غابت الثقة...ورغم محاولات التوفيق بين مصالح الناس،إلا أن الطمع والجشع
مازال يستتر في النفوس،والخبث والمكر لا زال يسري في العروق...الكل يدعي البراءة وكل ما يدور
في البال مزيدا من السلطة والنفوذ.
الملكة:أيها المشعوذ أشر علينا برأي سديد ،نسد به هذه الثغرة التي أصابت حصن ملكتنا.
المشعوذ:وماذا أصاب مملكتنا يا ومولاتي...القاضي فقط يهول من مشكل بسيط،حله يسير. 
القاضي:أيها المشعوذ...الناس أعماها الطمع...وصار همهم تحقيق المكاسب...ركب جنون التسلط
والتجبر عقولهم...لقد أصبحوا يتقاتلون على رغيف الخبز.
المشعوذ:وإن يكن...الصراع شيء جميل...و لا مخرج من هذه الورطة إلا بالصراع...إذن فالبقاء
للأقوى...فليتصارع البشر فيما بينهم...وليبقى من يستحق البقاء...ففي مملكتنا لا مكان للضعفاء.
الملكة:هذا رأي سديد...أخرج أيها القاضي وقل للناس:الملكة الجديدة تمنحكم مزيدا من الحريات.
المشهد الثالث: الأنيــــــن
ملكة الأخلاق والقيم:احتار إنسان هذا الزمان سبب الغمام الذي غشي القلوب،واستغرب سر هذه المعيشة
الدنقى التي طغت على حياته،وأرعبه جنون البشر وركضهم لتحقيق مصالحهم.
الحكيم:لم يتعب الإنسان نفسه،ليرفع رأسه في السماء،فيرى الحل معلقا أمام عينيه،ثم يرمي ببصره في
السماء العلياء ليدرك أن خالق الكون والسماء قد خلق كل شيء ووزنه وزنا.                            
الملكة:الضمير معلق يئن ...ويئن،ولكن من يلتفت ليرى الحل معلقا أمام عينيه...تعمى القلوب التي
أعماها الطمع والجشع عن رؤية الحق اليقين،عميت الأبصار عن رؤية الملاك الحارس الذي كان يحرس
نفس الإنسان من التدنيس،الملاك الحارس الذي كان السراج المنير لعلاقة الإنسان الطيبة مع بني جلدته
الملاك الواعظ بالخير والعطف والرحمة في علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان،ومع سائر الخلق على وجه
الأرض.
الحكيم:اليوم في زمن المصلحة لم يعد له أي حسبان،إنه معلق أعلى القلعة العمياء،وإنسان هذا الزمان
ممتطي "خيل البوليس" يدوس أشلاءه المتساقطة والمتناثرة على ربوع ساحة مملكة الظلم والجور التي
أسست على أنقاض الدمار الذي هدم مملكة الأخلاق والقيم،وعصفت بها الزوابع فلم يعد يسمع بها من
قريب أو بعيد.
الملكة:لقد تحولت الحياة إلى جحيم يتبادل فيه البشر الطعنات بسكين الخيانة والأنانية،فتحولت الحياة إلى
لهيب تأكل فيه نار الحقد الأخضر واليابس.
الحكيم:الضمير اليوم يئن ...ليس لأذى أو مرض أصابه جراء بقائه معلقا،إنما يئن للحالة التي وصل إليها
الإنسان،حالة يرثى لها الجبين،وتدمع لها العين،ويتقطع لها الفؤاد...
غابت ملامح الجمال الأخلاقي عن وجهه،وجفت ينابيع الرحمة التي كانت تجري في قلبه،وشح نبع
لسانه عن النطق بالكلام العذب لتأنس له نفس الصبي الصغير،وتقر به عين الشيخ الكبير.
الملكة:الضمير بريء مما أصاب الإنسان...إنه يئن ويتألم،لكن ما بيده حيلة،لقد قشر البشر عن أنيابهم،
وبرز للعيان الوحش المفترس بداخلهم،وتحولت الطينة البشرية الطيبة إلى غول يخشاه أبو الهول،وجميع
الطغاة على مر العصور...فكيف هي حال الفتى رطب العود كالعصفور...كيف يعيش الذي لم تبتسم له
الدنيا،ولم يدري سر البلاء الذي أصاب البشرية،حتى صارت كالوحوش البرية ،بل وأسوء منها
فالوحوش البرية على الفطرة سرية...أما الوحوش البشرية فدمية انتقامية من ضعاف البشرية،إذا بطشوا
بطشوا جبارين... يبغونها عوجا... يقدسون الفساد...ويبتهجون بقتل الأطفال...وهتك الأعراض...والفتك
بالأخلاق والقيم...وضعاف من البشر على دربهم يسيرون ،ولا أدري أهي مقولة الضعيف مبهور بتقليد
القوي...أم أنهم هم أيضا علقوا ضمائرهم،ونسوا أن الخالق يحرك الكون...؟؟؟
الحكيم:يظل الضمير معلقا يئن...ينادي بني البشر أن يعودوا لرشدهم...ويفكوا عنه قيده...يترجى قاضي
المصلحة أن يعدل عن حكمه...أن يسمح للأخلاق والقيم أن تعتلي سدة الحكم من جديد...علها تعيد المياه
إلى مجراها القديم...
إنه يتوجع لحال الإنسان الذي أصابته حمى الجشع والطمع...الإنسان الذي غلبت على عقله المكائد
والخدع...فصار لا يفرق بين المكسب الحلال،والمكسب الحرام...فكلاهما يجري في البلعوم.
الملكة:عسى يأتي يوم تطلع فيه شمس العدالة...فتنقشع الغيوم عن عقل الإنسان...تنير له درب الحق
يوم يرجع فيه الإنسان إلى حكم الله...يوم يجدد فيه الإنسان ولاءه لمملكة الأخلاق والقيم...فتعود ينابيع
الرحمة والحنان إلى الجريان...ويسود الأرض السلام والأمان...
عسى يأتي يوم يرفع فيه الإنسان راية الكفاح ضد الظلم والطغيان،فيعيد للإنسان كرامته المسلوبة
ويحقق العدل ويحكم الأرض والعباد في عدل وإحسان.



الفصل الخامس: الإنتفاضة
المشهد الأول:آخر وصايا الضمير للإنسان
الإنسان:أرى أنك مازلت معلقا أيها الضمير...لازلت تئن وتنادي ولا تسمع لك مجيب
الضمير:اسمع أيها الإنسان...مادمت معلقا هنا فسأظل انتظر بزوغ نور في السماء ينير لك
الطريق،يحثك على الكفاح ضد الهمجية والدموية،نور يحيي النفس البشرية،لتصحو من جديد
تدعو لإرساء قيم دفنها طغيان الإنسان في الماضي،ولم يعد لها اليوم مقام،لا تراعى في الحكم بين
البشر وإنما صار الحكم للقوة والبندقية.
الإنسان:وما المطلوب مني أنا الإنسان الضعيف،أيها الضمير؟
الضمير:قم وانتفض....انتفاضة تسدل بها الستار عن المحجوب من الظلم والاستبداد،وتزيح بها ما
اختزن طويلا في نفوس البشر من أنانية ومكر،حتى نسي يوما أنه كان إنسانا له مشاعر وأحاسيس
يتنفس الإنسانية ويشدو بالأخلاق والقيم.
انتفاضة لتعيد بها إنسانيتك المسلوبة ،إنسانيتك المنفية خارج مملكة الظلم والطغيان،انتفاضة تؤكد بها
من جديد أن الإنسان قد فطر على الخير وأنه قد منح ولاءه لمملكة الأخلاق والقيم المحمودة،وأنها وحدها
تعلو وتسمو فوق سماءه،وأنها الأصلح لشأنه.
الإنسان:فكيف سيكون حال من باع ولاءه،وأفسد الموازين؟
الضمير:العذاب الشديد لمن حرّف الفطرة الإلهية وغيرها،العذاب الأليم لمن تلاعب بالبشرية وسخرها
لتحقيق غايات فردية.
الإنسان:إذا كان البشر انقسموا إلى صنفين،فمن سيقود الانتفاضة إذن؟
الضمير:من يرفع راية الانتفاضة هم من سئموا المغالاة في الطغيان وتحريف القيم،فحرروا أنفسهم من
الأنانية ،وكسروا أغلال المصلحة الفردية،ليضعوا اليد في اليد و يقفوا في وجه الطغيان كالبنيان
المرصوص...فيكسروا سلاسل الاستغلال والاستعباد التي كبلت أفواههم عن قول الحق،وأيديهم عن
تغيير المنكر لسنين طويلة.
المشهد الثاني:الإنسان يجدد الولاء
الإنسان: لقد مررت على الضمير خلسة يا مولاتي...وجاء فيما أوصاني به:أن انتفض وأتحرر من بذور
الإنسانية والمصلحة الفردية التي تسكن روحي،وذلك حتى أتمكن من استرجاع الروح الإنسانية.
الملكة:ستكون صحوة الضمير في قلبك أيها الإنسان خير دليل على تحررك من الأنانية التي زرعت
فيك،وسيكون خير دليل على إيثارك وإخلاصك للمصلحة الجماعية،وتفضيلها على المصلحة الفردية
التي زرعت الكراهية بين البشر ،وحولت الإنسان إلى ذئب يقتنص المغانم دون أن يلتفت إلى البقية.
الإنسان: لقد قررت يا مولاتي أن أنهض وأواجه كل رغباتي ونزعاتي الأنانية .
الملكة:ارفع أيها الإنسان راية إعادة حكم الأخلاق والقيم...ارفع التحدي لترتقي مجددا بكرامة الإنسان
أعلن الانتفاضة ضد النفس البشرية...أشعل نار الحرب بين الخير والشر في نفسك،بين الأخلاق والقيم
التي تصون كرامة الإنسان وبين الوساوس الشيطانية التي تدعوا للتحرر من قيود الأخلاق والقيم،
وإطلاق العنان للطغيان دون مراعاة الإنسانية.
الإنسان:إذن هي نفس الحرب ستندلع من جديد.
الملكة:هي حرب قطباها الإنسان دائما باختلاف قيمه وتناقضها ،فمنهم من اختار طريق الخير،ومنهم
من آثر مصلحته ،وتمرد على الأخلاق والقيم وأباح كل محرم ومنكر..
هي حرب قائمة منذ الأزل وإلى أن يحكم اله في أمرها...

النهاية